في التحليل الدلالي دراسة تطبيقية على الفصحى المعاصرة 2

في التحليل الدلالي دراسة تطبيقية على الفصحى المعاصرة - 2  -
المبحث الثاني : نظرية الحقول الدلالية
إذا كان أصحاب النظرية السياقية يحددون معنى الكلمة من خلال رصد الملامح الدلالية للكلمة باستقراء استعمالاتها فإن أصحاب نظرية الحقول الدلالية يحددون معنى الكلمة من خلال علاقاتها بمجموعة من الكلمات التي ترتبط معها في دلالاتها وتوضع معها تحت لفظ عام يجمعها ، فمثلا – كلمة " أحمر " معناها يتحدد بضمها إلى مجموعة كلمات أخرى مثل : أصفر ، وأخضر ، وأزرق ، بني ...وتندرج كلها تحت حقل دلالي واحد هو ( اللون ) .
ولكي تفهم معنى كلمة ، من وجهة نظر هذه النظرية ، لا بد من فهم معنى الكلمات المتصلة بها دلاليًّا إذْ تكتسب الكلمة معناها من خلال علاقتها بالكلمات الأخرى في داخل الحقل الدلالي الواحد .
مثال ذلك كلمة " فاتر " التي لا يمكن فهم معناها إلا إذا فهمنا معنى كلمة " حار " وكلمة " بارد " وكلمة " دافئ " ومثلها كلمة " الضحى " يُفهم معناها من خلال مجموعة من الكلمات يمكن وضعها في حقل دلالي واحد وهو أوقات اليوم الواحد ، من هذه الكلمات : " الفجر ، والصبح ، والظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، الليل ، والنهار ، السحر ... " . ومثل ذلك بالنسبة لتقديرات النجاح عند الطلاب فإن المرء يفهم معنى تقدير " جيد " إذا فهم معنى : ضعيف ، وضعيف جدًّا ، ومقبول ، وجيد جدًّا ، وممتاز . ([203])
وهذه النظرية تعد أقدم النظريات في تحليل عناصر المعنى اللغوي .  ولأهمية هذه النظرية أفردها محمود جاد الرب بالدراسة  في  بحث له نشر في مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة الجزء الحادي والسبعين بعنوان : " نظرية الحقول الدلالية والمعاجم المعنوية عند العرب " .
وقبل الدخول في دراسة هذه النظرية هناك بعض المصطلحات التي تستخدم فيها ينبغي توضيحها ، وهي :
1 - حقل الكلمة ، أو الحقل القاموسي للكلمة lexical field ويقابله بالفرنسية champ lexical وبالألمانية wortfeld .
2 – المجال الدلالي أو الحقل الدلالي semantic field  ويقابله بالفرنسية  champ semantiqueوبالألمانية semantisches feld وذلك إذا كان المقصود به التعبير عن الملامح في دراسة المعاني القاموسية .
3 – المجال اللغوي  linguistic field  ويقابله بالفرنسية  champ semantique وبالألمانية  semantisches feld .
4 – الحقل التركيبي syntactic field ويقابله بالفرنسية  champ linguistique  وبالألمانية sprachliches feld وقد يُستعمل أحيانًا للتعبير عن المجال الدلالي التركيبي للكلمة . هذا ويميز بعض الباحثين بين حقل الكلمة والحقل التركيبي للكلمة . 
والحقل الدلالي semantic field  أو الحقل المعجمي lexical field هو مجموعة من الكلمات ترتبط دلالاتها  ، وتوضع عادة تحت لفظ عام يجمعها ، مثال ذلك كلمات الألوان في اللغة العربية ، فهي تقع تحت المصطلح العام " لون " وتضم ألفاظًا مثل : أحمر – أزرق – أصفر –أخضر – أبيض . ([204])
ويسمي البركاوي الحقل الدلالي الحقل اللغوي ويعرفه بأنه : " تلك الدائرة العامة التي تدور في فلكها معاني الكلمات المتقاربة التي تنتمي إلى دائرة دلالية واحدة " . ([205])
ويسميه عبد الحميد أبو سكين المجال الدلالي . ويعرفه بأنه مجال تدور ضمنه عدة كلمات مثل مجال المدرسة ، أو مجال القرية ، أو مجال المدينة ، أو مجال الطيور ، أو مجال الصحة ، أو مجال الزراعة ، أو مجال العائلة ، أو مجال وسائل النقل . ويمثل له  بقوله : " ففي مجال المدرسة نتعرف على المدرسة الابتدائية ، والمدرسة الإعدادية ، والمدرسة الثانوية ، وعلى المدرس والناظر ، والموجه ، والمدير ، والمفتش والمسجل ، والدفتر ، والمجال ، والقلم ، والمسطرة ، والكتاب ، والسبورة ، والنشافة ، والمساحة ، والممحاة ، والخريطة ، والقاموس ، والمقعد ، والفرقة ، والفصل ، والورقة ، والدرس ، والقواعد ، والقراءة ، والطباشير ، والكلمة ، والجملة ، والجرس ، والمعلم ، واللغة ، والأدب ، والتاريخ ، والجغرافيا ، والحساب ، والخط ، والرسم ، والعلوم ، والتفسير ، والتسميع ، والمراجعة ، والاستراحة ... " ([206])
تاريخ النظرية
يذهب جبل إلى أن الحقول الدلالية من الأمور التي سبق إليها أسلافنا من علماء العربية ، فقد عرفت الحقول الدلالية منذ القرن الثاني والثالث الهجريين ( الثامن والتاسع الميلاديين ) فيما سمي حديثًا معاجم الموضوعات ومعاجم المعاني . وأقدم ما بين أيدينا منها هو الغريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلام ( 224 ) ويجمع الفصل منها أٍسماء شيء أو معنى بعينه . والهدف من معاجم الموضوعات التعريف بأجزاء الأشياء ، مثلا خلق الإنسان : الرأس وفيه الشعر ، وفروة الرأس ، والجبهة ، والجبين ... إلخ مع ذكر أوصاف كل منها وما يتصل به . ومعاجم المعاني تجمع الألفاظ المعبرة عن معنى ما في باب واحد ( الشجاعة ، الجبن ، الكرم ، البخل .. ) وقد تُرتب الألفاظ حسب درجة تحقق المعنى  . ([207])
أما في الغرب فترجع بدايات هذه النظرية إلى عام 1877 م . فقد أشار أولمان إلى أن " تجنر  tegner  " استعمل مصطلح حقل في مقال له بعنوان " تقديم أفكار الحقل اللغوي ....  die idee des sprachlichen كما أشار " بالدنجر baldinger  " إلى أن " أبل  abel  " استعمل عام 1885 م . مفهوم "  الحقل اللغوي " كما يذكر أن " ماير  meyer  " أول من عرض أفكارا بشكل منظم ، وكان ذلك عام 1910 م . في مقالته المسماة " نظم المعنى  bedeutungssysteme " وقد حدد النظم الدلالية على أنها ارتباط منتظم لعدد محدود من التعبيرات من وجهة نظر فردية  .
وقد ميز " ماير " بين ثلاثة أنواع من نظام المعنى : النظام الطبيعي ، والنظام الفني ( مثل الألقاب العسكرية ، والتي قدم لها بدراسة خاصة عام 1910 م ) . والنظام شبه الفني ( مثل مصطلحات الصيادين والحرفيين )  .
وقد لفت " كوسريو " الانتباه إلى رائد قديم من رواد التحليل الحقلي ، وهو " هايسي  heyse  " الذي تناول حقل كلمة "  schall  " بمعنى " صوت " في عمله الذي نشره بعد وفاته شتاينتال  steinthal  " والذي جاء بعنوان : " نظام علم اللغة " .
ويشير " أوتو  otto  " إلى أن " أدولف شتور  adolf stohr  " في كتابه " كتاب المنطق التعليمي في الوصف النفسي
( لايبتزج – فينا ) 1910 م . أول من قام بعمل علاقة بين الحقول الدلالية ومجموعات الحقول . كما يشير " شڤارتز  schwarz  " إلى الاستعمال اللغوي لمصطلح " حقل " عند " ڤرنر  werner  " في كتابه " أصول المجاز " الذي طبع 1919 م .
ويرى " أولمان " أن رواد المدرسة الجديدة ( نظرية الحقل ) تعود في الألمانية إلى " هردر  herder  " عام 1772 م . وإلى
" هومبلدت  humboldt  ( 1767 – 1835 م . ) الذي يعد الجد الروحي الأعلى لهذه النظرية . ([208])
        وعلى الصعيد التطبيقي لنظرية التحليل الدلالي في الغرب نجد أن أهم الأعمال التطبيقية في هذا المجال دراسة " ترير " لألفاظ اللغة الألمانية في إطار التصنيف الدلالي أو بالنظر إلى تطبيقها دلاليًّا من البدايات حتى القرن  الثالث عشر والتي ظهرت عام 1931 م وكان لها أثرها الكبير في ظهور دراسات أخرى سلكت هذا المنهج ، فقد قام تلامذة " ترير " بدراسة الثروة اللفظية للغة الألمانية في عصور أخرى ، وامتد الأثر إلى دراسة اللغة الفرنسية والإنجليزية ، ثم ظهرت الدراسات اللغوية الأمريكية في لغات الهنود الحمر .
أما أول تطبيق عملي على مستوى المعجم فيعد أول عمل  معجم  " روجت  roget " الشهير في اللغة الإنجليزية :       Roget’s thesaurus of English words and phrases  والذي رتبه بناءً على المعنى عام 1852 م ، ثم ظهر عمل " دورنسايف " في اللغة الألمانية عام 1933 م ، ثم المعجم الأسباني لكاسارس عام 1942 م ، ثم العمل المنهجي الذي قدمه " ورتبورج " و " هلج " عام 1952 م ، ولعل أحدث معجم يطبق نظرية الحقول الدلالية هو ذلك المعجم المسمى  Greek new testamant  " وقد تم الانتهاء من تصنيف مجالات المعجم بعد الانتهاء من تحليل خمسة عشر ألفًا من المعاني المختلفة لمفردات يبلغ عددها خمسة آلاف كلمة ، وعلى الرغم من قصور المعجم من ناحية عدم شمول مفرداته ، وبالتالي عدم شمول مجالاتها فإنه يقدم نموذجًا جيدًا لمعاجم المجالات التي تقوم على التصنيف المنطقي والأساس التسلسلي . ([209])
ويتفق أصحاب نظرية الحقول الدلالية على عدد من المبادئ التي تُعد أساسًا للنظرية ، هذه المبتدئ هي :
1- لا بد أن تنتمي كل وحدة معجمية ( كلمة ) إلى حقل دلالي ؛ أي لا وحدة معجمية  lexeme عضو في أكثر من حقل .
2 – لا وحدة معجمية لا تنتمي إلى حقل معين .
3 – لا يصح إغفال السياق الذي ترد فيه الكلمة .
4 – استحالة دراسة المفردات مستقلة عن تركيبها النحوي . ([210])
ويقوم تصنيف قائمة المجالات الدلالية على النظام التفريعي ، فيبدأ اللغوي بتحديد حقول دلالية عامة ، ويفرع من كل حقل منها حقولا أدق وأكثر خصوصية ، ويتفرع عن كل منها حقول دلالية أدق فأدق وهكذا دواليك . فتكون الحقول الأساسية مثلا مقسمة على النحو الآتي :
( موجودات – أحداث – علاقات – مجردات ) ثم تتابع التفريعات . ويمكن التمثيل لذلك بالمخطط الآتي :
                            الحقول الدلالية
                           /
موجودات       أحداث         علاقات         مجردات
   /
حية         غير حية
  /
إنسان          حيوانات                   كائنات فوق الطبيعة
                  /
حيوانات      طيور        حشرات            عامة
                              /
نمل        بعوض      ذباب     بق    صراصير  ....
وهكذا في بقية الحقول الأخرى . وهذا التقسيم يختلف من لغوي لآخر كل بحسب تصوره لتصنيف مفردات اللغة التي يتعامل معها . ([211])       

أنواع الحقول الدلالية
يقسم ullmann  الحقول ثلاثة أنواع هي :
1 – الحقول المحسوسة المتصلة ، ويمثلها نظام الألوان في اللغات . فمجموع الألوان امتداد متصل يمكن تقسيمه بطرق مختلفة . وتختلف اللغات فعلا في هذا التقسيم .
2 – الحقول المحسوسة ذات العناصر المنفصلة ، ويمثلها نظام العلاقات الأسرية . فهو يحوي عناصر تنفصل واقعًا في العالم غير اللغوي . وهذه الحقول يمكن أن تصنف بطرق متنوعة بمعايير مختلفة .
3 – الحقول التجريدية ، ويمثلها ألفاظ الخصائص الفكرية . وهذا النوع من الحقول يعد أهم من الحقلين المحسوسين للأهمية الأساسية للغة في تشكيل التصورات التجريدية . ([212])
وقد وسع بعض العلماء مفهوم الحقل الدلالي ليشمل الأنواع الآتية :
1 – الكلمات المترادفة والكلمات المتضادة .
2 – الأوزان الاشتقاقية ، وأطلق عليها اسم الحقول الدلالية الصرفية morpho-semantic fields ([213]) ومن هذه الحقول في اللغة العربية ما قام به الأستاذ سليمان فياض من دراسة صيغ اللغة العربية تحت عنوان : " الحقول الدلالية الصرفية للأفعال العربية . ([214])
3– أجزاء الكلام وتصنيفاتها النحوية .
4 -  الحقول السنتجماتية syntagmatic fields  وتشمل مجموعات الكلمات التي تترابط عن طريق الاستعمال ، ولكنها لا تقع أبدا في نفس الموقع النحوي .
وتقول هذه النظرية إنه لكي تفهم معنى كلمة يجب أن تفهم كذلك مجموعة من الكلمات المتصلة بها دلاليا . ([215])
موازنة بين نظرية الحقول الدلالية ومعاجم الموضوعات العربية
إن المتأمل في نظرية الحقول الدلالية الأوربية ومعجمات الموضوعات التراثية العربية يجد بينهما فروقًا من هذه الفروق :
1 – أن معاجم الموضوعات تجمع الألفاظ المعبرة عن معنًى ما في باب واحد ( الشجاعة . الكرم . البخل ..) ، وقد ترتب تلك الألفاظ حسب درجة تحقق المعنى . أما في نظرية الحقول الدلالية ( الأوربية ) فإن الغالب أن ترتب الألفاظ ترتيبًا منطقيًّا أو نوعيًّا . ([216])
2 – في معاجم الموضوعات لم يتتبع علماء العربية معاني العربية وتغيراتها من العصر الجاهلي حتى العصر العباسي ، أي يمكن القول إنهم أهملوا الأساس الدياكروني ( التاريخي ) في تناول المفردات داخل الأبواب أو الكتب ، وهذا ما قام به الغربيون الذين اهتموا بالجانبين السنكروني والدياكروني معًا  ( الوصفي والتاريخي ) . ([217])
3 – في معاجم الموضوعات تُوجد علاقة ضعيفة أو عدم وجودها كلية بين الأبواب أو الموضوعات المتتالية التي تندرج في حقل دلالي واحد .
4 – في معاجم الموضوعات أيضًا قد يُتناول الشيء أو الموضوع في أكثر من مكان واحد داخل الأبواب الدلالية المتعددة .
5 – عدم وجود منهج واضح في جمع المادة اللغوية وتصنيفها ، على العكس مما نجده في نظرية الحقول الدلالية " كما نجد عند فايسجرير حسب مجالاتها إلى :
أ – حقول الكلمات في مجال مظاهر الطبيعة .
ب – حقول الكلمات في مجال المظاهر المدنية .
ج – حقول الكلمات في مجال الروح .
هذا على الرغم من وجود بعض العيوب التي يمكن أن توجه إلى المحاولات الأولى من المعاجم المبكرة في إطار نظرية الحقول الدلالية في الغرب .
6 – الحدود بين الحقول الدلالية غير دقيقة " هذا إذا ما أطلقنا مصطلح الحقول الدلالية على الأبواب في المعاجم الدلالية عند العرب " ، ولا يقتصر هذا العيب على المؤلفات العربية ، بل نجده في مؤلفات الغربيين أصحاب نظرية الحقول الدلالية ، ويرجع " شفارتز  Schwarz " السبب  في ذلك إلى أن المحتوى اللغوي يمتد من حقل إلى حقل دون فراغات ، كما أن خيوط الربط بين الحقول ليست منقطعة تمامًا . ([218])
أمثلة للنظرية
لكي نستخلص خواص المعنى ومن ثم نحلله بطريقة علمية ، وفق هذه النظرية ، فإننا نضع كلمات الحقل اللغوي فيما يشبه الخط الرأسي ، ونضع الخواص المحتملة فيما يشبه الخط الأفقي ، ثم نضع رمز ( + ) عند تحقق الصفة في الكلمة ، نضع الرمز ( - ) عند عدم تحققها ونضع الرمز ( - + ) عندما تكون الصفة احتمالية ؛ أي تتحقق في أحيانًا ولا تتحقق في أحيان أخرى . ([219])
وفي ضوء ما سبق يمكن التمثل للتحليل الدلالي الذي يستخدم نظرية الحقول الدلالية من الفصحى المعاصرة بالأمثلة الآتية :
1 – مثال يحلل طائفة من ألفاظ الحركة في اللغة العربية . ([220])

الفعل



فاعـل الحركــــة
إنسان / حيوان / جماد
        وسيـــلة الحركــــة
يدان - رجلان - اليدان والرجلان           وسيلة أخرى
سرعة الحركة
اتجاه الحركة
أفقي / رأسي
      مجال الحركة
 أرض – جو – بحر
سار
مضى
جرى
سبح
أبحر
تسلق
زحف
حبا
دبَّ
فرَّ
+   +    +    
+   +    +
+   +    -
+   -      -
+   -      +
+-  +   -  +-   +    -
+  -  -
+-  +  -
+  +  -
-      + -      -              + السيارة
-      + -      -            + السيارة
-      +         -                -
+-    +-       +                -
-      -         -               + السفينة
+-    +-        +
-     -          -                + البطن
+-    +-        +
-      +         -
-      +         -
+ -
+ -
+
+-
+
-
-
-
-
+
أفقي
""  ""
""   ""
""  ""
""  ""
رأسي
أفقي
"" ""
"   ""
أفقي
رأسي
+   -            -
+  +سفينة فضاء +مركب
+   -        -
-     -          +
-     -      +
+       +         -
+       -          -
     -         -
+      -          -
+     +      +
2 - مثال يحلل ألفاظ الضرب :
الفعل
    الفاعل

إنسان – حيوان  - طائر          
          الوسيلة
يد –  رجل -       أخرى

قتل
+      +        -
 +     +      + عصا أو آلة أخرى

ذبح
+       -       -
 -     -       + سكين

اغتال
+        -       -
-       -     + سلاح

ضرب
+        +       +
+        +        + أية آلة

فتك
 +        -      -
+        +       + ""     ""  

قمع
+         -      -
-        -     + المقمعة

كدم
 +        +       -
-       -      + أدنى الفم

سفك
 +        -       -
  -       -      + أية آلة

طعن
  +       -       -
 -       -      + رمح أو سكين 

وكز
  +      -        -
 +       -            -

جلد
  +      -         -
 _        -     + سوط

صدم
  +      +         +
 -       -     + بجسده أو بجسمه

خبط
  +      +        +
  +      +    + أية آلة


فالفرق – مثلا – بين القتل والذبح أن القتل فعل يمكن وقوعه من الإنسان أو الحيوان ، ويكون بواسطة اليد أو الرجل أو أية آلة . أما الذبح ففعل يقع من الإنسان ويكون بآلة حادة وهي السكين ، والفرق بين الذبح والطعن ، وإن كان الفاعل واحدًا وهو الإنسان ،  أن الذبح يكون بسكين والطعن يكون بسكين أورمح .
3 – مثال يحلل ألفاظ المواصلات :
نوع المواصلة
المستخدم ([221]) 
إن – حي - جم
مكان السير ([222])
ش – مط – سك – بح - جو
طائرة
قطار
سفينة
حافلة
سيارة صغيرة
شاحنة بضائع
خيل
حمير
بغال

+     -      +
+     +      +
+     +      +
+     -      +
+    -      +
+     +      +
+      +     +
+     +      +
+    +       + 
-  +        -     -     +
-   -       +     -    -
-    -     -      +   -
+     +    -        -   -
+    +     -       -    -
+    +     -      -     -
+   -     -      -     -
+   -     -       -    -
+   -     -      -    -

نظرية الحقول الدلالية في عيون العلماء
دقق العلماء في هذه النظرية فوجدوا أن لها فوائد ، وعليها بعض المآخذ أما فوائدها فهي :           1 – الكشف عن العلاقات وأوجه الشبه والخلاف بين الكلمات التي تنضوي تحت حقل معين وبينها وبين المصطلح العام الذي يجمعها . فمثلا كلمة " كوب " يمكن دراستها مع كلمات مثل " فنجان " و " زهرية " و " كأس " و " إبريق " ... باعتبارها كلمات تدل على أنواع من الأوعية . وفي نفس الوقت يتبين أوجه التقابل والتشابه في الملامح داخل المجموعة ، وهو ما يعجز عنه المعجم التقليدي . ([223])
وقد حصر اللغويون العلاقات الممكن وجودها في حقل واحد فوجدوا أنها لا تخرج عن خمس علاقات هي: 
علاقة الترادف ، وعلاقة الاشتمال ، وعلاقة الكل بالجزء والعكس ، وعلاقة التضاد ، وعلاقة التنافر .
ولا يشترط أن تتجمع هذه العلاقات كلها في حقل دلالي واحد ، كما أن العلاقات التي يمكن وجودها في حقل دلالي ما يرجع إلى اختلاف طبيعة اللغات ، وعلى اللغوي أن يحدد العلاقات الضرورية لتحليل المفردات في اللغة التي يتعامل معها . فمن أمثلة الترادف في الحقل الدلالي الخاص بألفاظ القرابة ، مثلا ، : ابن ونجل ، أم ووالدة ، زوجة وعقيلة وحليلة . وهذا من باب الترادف التام الذي يتساوى فيه معنيا الكلمتين تمامًا .
ومن أمثلة علاقة الاشتمال في الحقل الدلالي الخاص بألفاظ الحيوان : حشرة ونملة ، حشرة وبعوضة ، حشرة وذبابة ؛ لأن معنى كلمة نملة يتضمن معنى كلمة حشرة ، وهكذا مع البعوضة والذبابة ...إلخ .
ومن أمثلة علاقة  الكل بالجزء علاقة البيت بالحجرة .
ومن أمثلة علاقة التضاد ما نجده في مثل متزوج وعزب . وهذا من التضاد الحاد ؛ أي ليس فيه بين اللفظين المتضادين درجات وسطية . وهناك تضاد متدرج ، وهو ما فيه بين المتضادين درجات وسطية مثل بارد وحار فبينهما الفاتر والدافئ .
ومن أمثلة علاقة التنافر ما نجده بين معنى كلمة ( قط ) ومعنى كلمة ( كلب ) ، فإنه ليس بينهما تضاد     ، بل إن كلا منهما ينتمي إلى جنس مخالف لجنس الآخر مع وقوعهما في حقل دلالي واحد . ([224])
2 – أن تجميع الكلمات داخل الحقل الدلالي وتوزيعها يكشف عن الفجوات المعجمية التي توجد داخل الحقل ( أي عدم وجود الكلمات المطلوبة لشرح فكرة ما أو التعبير عن شيء ما ، وتسمى هذه الفجوة الوظيفية ) . فمثلا لو صنفنا الحيوانات بحسب الجنس والعمر لوجدنا اللغة العربية مثلا تضع بالنسبة للإنسان الكلمات : رجل – امرأة - ، ولد ، - بنت . ولكنها لا تفعل ذلك بالنسبة لكل الحيوانات . ولذا لو أعددنا قائمة بكل أمثلة الحيوانات فسنكتشف عددا هائلا من الفجوات في المفردات المعجمية ، لا في اللغة العربية وحدها بل في كل اللغات .
3 – أن هذا التحليل يمدنا بقائمة من الكلمات لكل موضوع على حدة . كما يمدنا بالتمييزات الدقيقة لكل لفظ ، مما يسهل على المتكلم أو الكاتب في موضوع معين اختيار ألفاظه بدقة وانتقاء الملائم منها لغرضه .
4 – أن هذه النظرية تضع مفردات اللغة في شكل تجمعي تركيبي ينفي عنها التسيب المزعوم .
5 – أن تطبيق هذه النظرية كشف عن كثير من العموميات والأسس المشتركة التي تحكم اللغات في تصنيف مفرداتها . كما بين أوجه الخلاف بين اللغات بهذا الخصوص .
6 –  – من المشكلات التقليدية في المعاجم التمييز بين الـ "هومونيمي " والـ "بوليزيمي " ([225]) ، والنوع الأول يقسم إلى مداخل بعدد كلماته ، أما النوع الثاني فيوضع في مدخل واحد لأنه كلمة واحدة في الحقيقة . وقد حلت نظرية الحقول المشكلة ؛ لأن الكلمات المنتمية إلى حقول دلالية مختلفة سوف تعالج على أنها كلمات منفصلة ( هومونيمي ) . فكلمة  orange  ( برتقالي ) تخص حقل الألوان ، وكلمة  orange  ( برتقال ) تخص حقل الفاكهة .
7 - أن دراسة معاني الكلمات على هذا الأساس تعد في نفس الوقت دراسة لنظام التصورات ، وللحضارة المادية والروحية السائدة ، وللعادات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية ، كما أن دراسة التطورات أو التغييرات داخل الحقل الدلالي تعني في نفس الوقت دراسة التغيرات في صورة الكون لدى أصحاب اللغة .([226])
8 – كما أن دراسة طائفة من الألفاظ على أساس الحقول الدلالية يتبين من خلالها الألفاظ التي نمت دلالتها والألفاظ التي انكمشت دلالتها أو اختفت بمرور الأيام . وخير مثال لهذا تلك المحاولة التي قام بها أحد العلماء الألمان في بحث ألفاظ الذكاء التي وردت في نصوص القرون الوسطى للغة الألمانية . ([227])
   ولو نظرنا في جهود العلماء المعاصرين ومدى تطبيق هذه النظرية لخدمة الفصحى المعاصرة لوجدنا ثمار هذه النظرية تتمثل في عدة أمور منها ما خرج للناس من معجمات تقوم على أساس الحقول الدلالية . فمثلا مما أخرجه مجمع اللغة العربية بالقاهرة  من معجمات قائمة على هذا الأساس : معجم ألفاظ الحضارة الحديثة ومصطلحات الفنون ، ومعجم الفيزيقا النووية ، ومعجم الفيزيقا الحديثة ، والمعجم الفلسفي ، والمعجم الجيولوجي  ، وغير ذلك . ([228])
ومما أخرجه أفراد في هذا الصدد المعجم الشعري لألفاظ الإبل الذي أعده أنور أبو سويلم في ذيل دراسته الأدبية : " الإبل في الشعر الجاهلي " المطبوعة في مكتبة دار العلوم بالرياض / السعودية  1403 هـ . ([229])
        وقد امتدت ظلال الحقول الدلالية ليقوم على أساسها تصنيف وترتيب بعض الدراسات النحوية والصرفية الحديثة . من ذلك ما كتبه سمير عبد الجواد بعنوان : " ألفاظ الخصوص والعموم دراسة تفصيلية لغوية " . ([230]) 
        ومنه ما كتبه سليمان فياض تحت عنوان : " الحقول الدلالية الصرفية للأفعال العربية " . ([231])
        بيد أن ما نضج من ثمار هذه النظرية لا يشبع رغبات أبناء العربية ، ولذلك تراهم يتوجهون إلى علمائها مطالبين بالمزيد فها هم الإعلاميون يقولون : " بيد أن لغة التعبير الإعلامي مع ذلك في حاجة شديدة وملحة إلى معجم يشمل مجموع ثروتها أي كل ما استوعبته الموسوعات العربية القديمة والحديثة من مفاهيم وكل ما تضمنته الكتب العلمية والتقنية العربية على اختلاف أنواعها قديما وحديثا من مدركات ودلالات اصطلاحية ، معجم يشمل هذا كله ويعرضه مرتبا ترتيبا صنفيا  باعتبار معاني المفردات والعبارات في تبويب قويم ملائم لعقلية العصر وذوقه يتسنى معه العثور بدون عناء على الألفاظ المؤدية للمعاني التي تتردد في أذهان المشتغلين بالتعبير الإعلامي " . ([232])
        هذا عن فوائد نظرية الحقول الدلالية أما أهم المآخذ التي أُخذت عليها فهي :
        1 - أخذ العلماء على هذه النظرية أن الحقل اللغوي ظاهرة خارجة عن إطار اللغة ذاتها ، وأن الطفل لا يتعلم اللغة بأن يقال له – مثلا – هذا حصان ثم يُؤتى له بالحيوانات الأخرى المشابهة كالحمار والبغل والبقر ليتعرف معاني هذه الكلمات كلا على حدة .
        2 - كما أخذ البركاوي على هذه النظرية عدم الاتفاق على بعض الخواص عند التحليل الدلالي القائم على أساس الحقول . ([233])
        3 مسألة تعريف الكلمة أو تحديدها دلاليًّا ، فمن المعروف أن كل كلمة مفردة تحصل في الحقل الدلالي على تعريفها أو تحديد محتواها وعلى مكانتها ( قيمتها المكانية ) من خلال صلاتها بالأعضاء الأخرى في الحقل ويرى " ترير " أن الكلمة المفردة تحصل على تحديدها الدلالي من التركيب الكلي .
        4 – مشكلة الحدود الخارجية ، وتعني الحدود الخارجية الحدود التي تفصل بين الحقول الدلالية ، وترجع هذه المشكلة إلى أن المحتوى اللغوي يمتد من حقل إلى حقل دون فراغات كما أن خيوط الربط بين الحقول ليست منقطعة تمامًا .
        5 – وجه علماء كثيرون من أمثال " شايد ڤايلر scheidweiler " و " بانر bahner " انتقادات لنظرية الحقول الدلالية ، حيث يرون أنها لم تبن على أسس استقرائية ، أي أنها لم تقم على قواعد أو أسس من النصوص التي بحثها " ترير" ، ويرى " بتز betz  " أن الإنسان يرغب في أن تكون اللغة جهازًا منطقيًّا رياضيًّا دقيقًا  وأن تتفرع إلى حقول بدقة متناهية ودون فراغات وبوضوح تام وليس هذا هو الواقع دائمًا في كل حال . ولهذا السبب فإن الحقل ليس شكلا تركيبيًّا جوهريًّا للثروة اللفظية .
        6 – كذلك أخذ العلماء على نظرية الحقول الدلالية عدم الاهتمام بالسياق الذي ترد فيه الكلمة ، ومن الواضح دور السياق في تحديد معاني الكلمات . ([234])
المبحث الثالث : النظرية التحليلية
تقوم النظرية التحليلية ، أو ما أسماه  البركاوي  " نظرية التكوين الثلاثي للمعنى " ([235]) على ثلاثة عناصر هي :
        1 – تحليل كلمات كل حقل دلالي ، وبيان العلاقات بين معانيها .
2 – تحليل كلمات المشترك اللفظي إلى مكوناتها أو معانيها المتعددة .
3 – تحليل المعنى الواحد إلى عناصره التكوينية المميزة . ([236])
وعن تاريخ تحليل كلمات المشترك يقول أحمد مختار عمر : قدم  ferryfodor  و jerrold katz  لأول مرة نظريتهما في تحديد دلالات الكلمات في مقالهما المشهور :  the siructure a semantic theory  المنشور عام 1963 م . ثم أدخلت عليه تعديلات متنوعة فيما بعد .
وتقوم نظريتهما في أساسها على تشذير كل معنى من معاني الكلمة إلى سلسلة من العناصر الأولية بطريقة تسمح لها بأن تتقدم من العام إلى الخاص . ([237])
وذكر أحمد مختار عمر أنه من الممكن أن يمتد استخدام هذه النظرية ليشمل تحليل الكلمة وهي مستخدمة في جملة تامة ، وحينئذ يضاف إلى المكونات الدلالية السابقة عنصر " الوظيفة النحوية " ففي جملة : شغل الخريج وظيفة كذا ... يضاف إلى المكونات الأصلية المكون الإضافي وهو " الفاعلية " . ([238])
وقد ضرب صاحبا هذه النظرية مثالا  لها وحللاه على هذا                                                                      الوجه   :


                     bachlor
                       
                        اسم
                        \
    ------------------------                 
حيوان ( مكون دلالي )                                          إنسان ( مكون دلالي )
  \                                  \
ذكر( مكون دلالي )                        حاصل عل البكالوريا    ذكر ( مكون دلالي )
                                        ( مميز )    ( 2 )                 \
فرس البحر في فترة                                    \
ابتعاد أنثاه فترة حملها ( مميز )                                  \
( 1 )                    ------------------
                     جندي يعمل تحت                 شخص
                       إمرة من أكبر منه                 لم يتزوج
                            ( مميز )                      ( مميز )    
                         ( 3 )                           ( عزب )
                                                   ( 4 )
ويُلاحظ     من هذا التخطيط التحليلي لمعنى كلمة  bachlor  أن المكون الأول للمعنى هو  كونه اسمًا ( جامدًا ) أي يدل على ذات ، وهذا هو الشق المتعلق بالوصف الشكلي أو النحوي .
أما المكون الثاني وهو الخاص بالصفات العامة فإنه يتكون في المعنى رقم 1 بالصفتين ذكر ، وحيوان ، وفي المعنى رقم 2 بالصفة
" إنسان  " وفي المعنيين رقم 3 ، 4 بالصفتين ذكر وإنسان .
أما الصفة الجوهرية أو الفارقة فهي : فرس البحر أثناء فترة ابتعاد أنثاه أثناء الحمل بالنسبة للمعنى الأول ، وحاصل على البكالوريا للمعنى الثاني ، وجندي يعمل تحت إمرة من هو أعلى منه  في المعنى الثالث ، وشخص لم يتزوج في المعنى الرابع . ([239])
ومن أشهر الكلمات التي طُبقت عليها هذه الفكرة كلمة :
 soup   الإنجليزية التي قام بتحليلها العالم اللغوي " بولنجر " وهذه الكلمة تحمل تسعة معان على النحو الآتي :
مأزق – طاقة – سحب مثقلة – محلول البيروكسين – مُظهِر فوتوغرافي – نتروجاسرين – أسمنت رطب – استنبات جرثومي – الحساء .
ويمكن التمثيل لهذا التحليل بالمخطط الآتي :
                     Soup
       ( تجريدي )                                                    ( محسوس )      
  /           /                                                            / 
 [ مأزق ]   - ( فعال – نشيط )                                     ( منتشر )
                    /                         [ سحب مثقلة ]    ( متكاتف )    
               [ طاقة – قوة ]
                                                                    /
                            ( غير صالح للأكل )           ( صالح للأكل )
                                     /                             /
         ( كيميائي )            [ أسمنت رطب ]        [ استنبات جرثومي ]
            /                                                   /
( فعال )  [ مظهر فوتوغرافي ]  [ محلول بيروكسين ]         ( سائل )
   /                                                                /
[ نتروجاسرين ]                                                 [ حساء ]
مع الأخذ في الاعتبار أن ما وضع بين قوسين هلاليين يدل على أنه من المكونات الدلالية ، وما وضع بين قوسين معكوفين يدل على المميزات . ([240])
أما  الفصحى المعاصرة فيمكن تطبيق هذا التحليل عليها في المثال الآتي ([241]):
                            العين
                \
            اسم
             \
جرم            عضو من أعضاء   إنسان          حفرة
                   الجسم              \            \
\                  \                \     يتدفق منها
يمد الأرض        يتم به الإبصار      \         الماء    
بالنور                   ( 2 )         \         ( 5 )
والحرارة                          \
 ( 1 )                          \

                       ----------------
                     ذو مكانة                    يتلمس
                   في قومه                    الأخبار 
                 ( 3 )                   ( 4 )
فالوصف الشكلي أو النحوي للفظ هنا هو كونه اسمًا لا فعلا ولا حرفًا ، أما الوصف العام أو الثانوي في المعنى الأول فهو كونه جرمًا ، وفي الثاني كونه عضوًا من أعضاء جسم ( في الحيوان أو الإنسان ) ، وفي الثالث والرابع كونه إنسانًا ، وفي الخامس كونه حفرة .
أما الصفات الفارقة التي تمثل المكون الأساسي فهي في المعنى الأول إمداد الأرض بالنور والحرارة( ويكون المرادف حينئذ هو قرص الشمس ) ، وفي المعنى الثاني القيام بعملية الإبصار ( عين الإنسان مثلا ) ، وفي المعنى الثالث كونه ذا مكانة في قومه ( واحد أعيان الناس ) ، وفي المعنى الرابع تلمس الأخبار خفية  ( الجاسوس ) ، وفي المعنى الخامس تدفق الماء أو إمكانية تدفقه ( واحد عيون الأرض ) .
كذلك يمكن التمثيل للفصحى المعاصرة لهذا التحليل بكلمة :
" القرش " على النحو الآتي :
                           القرش
                              \
                            اسم
           \                                 \
  نوع من أنواع السمك                    عملة معدنية                              
          \                             \
حيوان مائي قوي جدًّا                 جزء من مائة جزء                         
                                         من العملة المصرية ( الجنيه )
فالوصف الشكلي أو النحوي للكلمة كونها اسمًا ، أما الوصف العام أو الثانوي في المعنى الأول فهو كونه نوعًا من أنواع السمك ، وفي المعنى الثاني كونه جزءًا من العملة المصرية . أما الصفات الفارقة التي تمثل المكون الأساس فهي في المعنى الأول حيوان مائي قوي ، وفي المعنى الثاني جزء من مائة جزء من العملة المصرية .
أما تحليل المعنى إلى عناصر تكوينية فيبدأ القيام به بعد أن ينتهي تحديد الحقول الدلالية ، وحشد الكلمات داخل كل حقل . فلكي يتبين معنى كل كلمة ، وعلاقة كل منها بالأخرى يقوم الباحث باستخلاص أهم الملامح التي تجمع كلمات الحقل من ناحية ، وتميز بين أفراده من ناحية أخرى . ([242])
وهناك خطوات إجرائية لتحديد العناصر التكوينية هي :
1 – استخلاص مجموعة من المعاني تبدو الصلة القوية بينها بحيث تشكل مجالا دلاليا خاصًا نتيجة تقاسمها عناصر تكوينية مشتركة .
ومثال ذلك كلمات : أب – أم – ابن – بنت – أخت – أخ – عم ... فكلها تتقاسم قابلية التطبيق على الكائن البشري ، وتتعلق بالشخص الذي يتصل بآخر إما عن طريق الدم أو المصاهرة .
2 – يلي ذلك تقرير الملامح التي تستخدم لتحديد المحتويات التي تستعمل للتمييز ، وهي بالنسبة للكلمات السابقة ستكون ملامح : الجنس والجيل والانحدار المباشر و قرابة الدم أو المصاهرة .
3 – تحديد المكونات التشخيصية لكل معنى على حدة حتى نقدر على القول بأن معنى أب - مثلا – يتميز بتملكه للملامح و المكونات كذا وكذا .
     4– توضح تلك الملامح في شكل شجري أو في شكل جدول . ([243])
   ويمكن أن نمثل لهذا النوع  من هذه  التحليلات وهو تحليل المعنى إلى عناصر تكوينية بمثال قريب ( أو سطحي ) هو أن المكونات أو المحددات الدلالية للفظ " ولد " هي : اسم + حي + إنسان + ذكر + صغير السن . ([244])
والجدول الآتي يحلل مكونات المعنى لألفاظ القرابة :

اللفظ / الملمح
أب
أم
عم
عمة
خال
خالة
أخ
أخت
ابن
ابنة
ابن عم
زوجة
حم
ذكر
+
-
+
-
+
-
+
-
+
-
+
-
+
أنثى
-
+
-
+
-
+
-
+
-
+
-
+
-
نفس الجيل
-
-
-
-
-
-
+
+
-
-
+
+
-
جيل سابق
+
+
+
+
+
+
-
-
-
-
-
-
+
جيل لاحق
-
-
-
-
-
-
-
+
+
+
-
-
-
قراية مباشرة
+
+
-
-
-
-
-
-
+
+
-
+
-
غير مباشرة
-
-
+
+
+
+
+
+
-
-
+
-
+
قرابة دم
+
+
+
+
+
+
+
+
+
+
+
-
-
قرابة مصاهرة
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-
+
+
من خلال الجدول السابق يمكن أن نحدد معنى الأب – مثلا – فهو ذكر من جيل سابق ، وقرابته مباشرة ، وهي قرابة دم . ([245])
تطبيقات للنظرية
هناك مجالات كثيرة يمكن استخدام النظرية التحليلي فيها ، كما أن هناك مشكلات يمكن دراستها على ضوء هذه النظرية . من ذلك تحديد الحقيقة و المجاز ، والحقول الدلالية ، إثبات الترادف أو نفيه ، واكتساب الطفل للكلمات ، وتحديد السياق .
1 – تحديد الحقيقة والمجاز
ذكر أحمد مختار عمر في كتابه " علم الدلالة " أن معنى الكلمة طبقًا لهذه النظرية هو " طاقم الملامح أو الخصائص التمييزية " . وكلما زادت الملامح لشيء ما قل عدد أفراده ، والعكس صحيح كذلك . وعلى هذا يمكن تضييق المعنى وتوسيعه عن طريق إضافة ملامح أو حذف ملامح . ولا شك أن تضييق المعنى وتوسيعه يعد ضربًا من المجاز . ولتوضيح هذه الفكرة نسوق المثال الآتي :
كلمة " صحيفة " يتضمن تعريفها الملامح أو الخصائص التمييزية الآتية : الطبع على الورق ، نقل الأخبار ، الصدور بانتظام ... فإذا اعتبرنا فقط نقلها الأخبار بانتظام وأسقطنا الملمح الأول وهو الطبع على ورق جاز قولنا " صحيفة الهواء " وعلى هذا فإسقاط أحد الملامح خلق نوعًا من المجاز علاقته العموم . ([246])
والفعل " قطع " إذا تم تحديد الملامح الدلالية له بأنه فعل الشق لشيء متصل ، وتكون أداته في العادة شيئًا حادًّا فإن قولنا : قطع الشجرة يكون من قبيل الحقيقة ؛ لأنه يتفق مع المكونات الدلالية المذكورة ،  أما إذا قلنا قطعت الحديث فسيكون من قبيل المجاز .
ومثل ذلك في الفعل " جرى " الذي يعني – من خلال مكوناته الدلالية – حركة عن طريق نقل الأرجل بسرعة ، فإن قولنا : جرى اللاعب يكون من قبيل الحقيقة ، أما قولنا جرى القطار ، فإنه من قبيل المجاز . ([247])
وينطبق ما قيل في كلمة " صحيفة " ، وكلمة " قطع " ، وكلمة
" جرى " على كلمة " مجاهد " فإذا قلنا إن تعريفها يتضمن الملامح الآتية : بذل مجهود كبير + حمل السلاح في وجه العدو ، فإذا أسقطنا الملمح الثاني يمكن إطلاق لفظ " مجاهد " على جامع الزكاة والصدقات العامل على إيصالها لمستحقيها ، كما هو الحال في فصحى العربية السعودية .
2 – الحقول الدلالية
استخدم اللغويون النظرية التحليلية بنجاح في دراسة كثير من الحقول الدلالية . وقد ذكر أحمد مختار عمر في كتابه علم الدلالة تطبيقًا لهذه النظرية على ثماني كلمات عربية من كلمات الطبخ وجاء هذا التطبيق في شكل الجدول الآتي : ([248])

ماء
زيت أو دهن
بخار
مقدار السائل
نوع مصدر الحرارة
عملية الطبخ
إناء خاص
هدف إضافي خاص
سرعة الطبخ
خبز
 -
  -
  *
  *
متصل بمصدر الحرارة
  *
فرن
...
...
قِلاء
+
*
...
...
...
مقلاة
...
...
شيّ
-
-
*
*
جسم متوقد
*
...
...
...
سوتيه
-
+
*
قليل
...
...
...
...
سريع
قلاء عميق
-
+
*
كثير
...
...
...
...
...
سلق
+
-
-
...
...
بشدة
...
...
...
تبخير
+
-
+
...
...
...
مصفاة أو منخل
...
...
تشويح
+
-
-
...
...
بلطف
...
حتى يلين
بطيء
2 – نفي الترادف أو إثباته
يمكن استخدام النظرية التحليلية للحكم على كلمتين  بالترادف ، أو نفيه بينهما ، فإثبات الترادف يكون عن طريق إعطاء كلمة الملامح نفسها التكوينية أو التشخيصية الموجودة في كلمة أخرى بغض النظر عن الاختلافات العاطفية أو الثانوية . من ذلك الكلمتان :  daddy ، و fatherاللتان تملكان نفس الملامح التمييزية الأساسية ، وإن حملت كلمة  daddy  شحنة عاطفية أكبر ودلت على علاقات شخصية حميمة . ([249])
ويمكن أن ينطبق هذا في الفصحى المعاصرة على كلمتي " حامل " و " حبلى " حيث تمتلك كل منهما الملامح نفسها التمييزية الأساسية ، وإن اختلفا في درجة الاستعمال والمستوى الثقافي .
وعلى صعيد نفي الترادف هناك كثير من الكلمات التي قد تبدو من أول نظرة أنها من قبيل الترادف ، ولكن بتطبيق النظرية التحليلية عليها أي بأن تحدد المكونات الدلالية لكل منها يتضح أن هناك فروقًا في المعنى لا يمكن إغفالها وحينئذ لا يحكم على هذه الألفاظ بالترادف .
وقد فطن أبو هلال العسكري إلى هذه الفكرة عندما قدم في كتابه " الفروق اللغوية " عددا من المكونات التي يمكن من خلالها التمييز بين الكلمتين التي يُظن فيهما الترادف ، وبصرف النظر عن كون وجهة النظر التي ذهب إليها أصابت أم جانبها الصواب ([250]) فإن المكونات التي حددها لم تكن كلها مكونات دلالية بل كان منها الدلالي ، والصرفي ،والنحوي ، والاشتقاقي . قال أبو هلال العسكري : فأما ما يُعرف به الفرق بين هذه المعاني وأشباهها فأشياء كثيرة منها :
            = اختلاف ما يُستعمل عليه اللفظان ، نحو العلم والمعرفة ، فالعلم يتعدى إلى مفعولين ، والمعرفة تتعدى إلى مفعول واحد ، فتصرفهما على هذا الوجه واستعمال أهل اللغة إياهما عليه يدل على الفرق بينهما في المعنى وهو أن لفظ المعرفة يفيد تمييز المعلوم من غيره ولفظ العلم لا يفيد ذلك إلا بضرب آخر من التخصيص في ذكر المعلوم  وهذا مكون نحوي .
        = اختلاف  صفات المعنيين ، نحو : الحلم والإمهال فالحلم لا يكون إلا حسنًا ، والإمهال يكون حسنًا وقبيحًا . وهذا مكون دلالي .
        = اعتبار ما يؤول إليه المعنيان ، نحو المزاح والاستهزاء ، فالمزاح لا يقتضي تحقير الممَازح ، أما الاستهزاء فيقتضي تحقير المستهزأ به . وهذا مكون دلالي أيضًا .
        = اعتبار الحروف التي يتعدى بها الأفعال ، نحو العفو والغفران ، فالعفو يتعدى بـ " عن " والغفران يتعدى بـ " اللام " . وهذا مكون نحوي أيضًا .
        = اعتبار النقيض ، مثل الحفظ والرعاية ، فالحفظ نقيضه الإضاعة ، والرعاية نقيضها الإهمال ، ولهذا يقال للماشية إذا لم يكن لها راعٍ : همل. والإهمال ما يؤدي إلى الإضاعة ، فعلى هذا يكون الحفظ صرف المكاره عن الشيء لئلا يهلك ، والرعاية فعل السبب الذي يُصرف به المكاره عنه .  وهذا مكون دلالي .
        = اعتبار الاشتقاق ، نحو السياسة والتدبير ، فالسياسة هي النظر الدقيق من أمور السوس ، مشتقة من السوس هذا الحيوان الدقيق المعروف ، ولهذا لا يُوصف الله – تعالى – بالسياسة ؛ لأن الأمور لا تدق عنه .  والتدبير مشتق من الدبر، ودبْر كل شيء آخره ، وأدبار الأمور عواقبها ، فالتدبير آخر الأمور وسوقها إلى ما يصلح به أدبارها أي عواقبها . وهذا مكون اشتقاقي .
        = اعتبار صيغة اللفظ ، ومن ذلك الفرق بين الاستفهام والسؤال ، وذلك أن الاستفهام لا يكون إلا لما يجهله المستفهم أو يشك فيه ؛ لأن المستفهم طالب أن يفهم ، وقد يجوز أن يسأل فيه السائل عما يعلم وعما لا يعلم ، فصيغة الاستفهام وهو استفعال والاستفعال طلب ينبئ عن الفرق بينه وبين السؤال . وهذا مكون صرفي .
        = اعتبار أصل اللفظ ، نحو الحنين والاشتياق ، فأصل الحنين في اللغة هو صوت الإبل تصدرها إذا اشتاقت إلى أوطانها ثم كثر ذلك حتى أجرى اسم كل واحد منهما على الآخر كما يجري على السبب والمسبب اسم السبب . وهذا مكون دلالي . ([251])
        3 – اكتساب الطفل للكلمات
        من المقرر أن الأطفال في العادة لا يفرقون بين المتشابهات من الألفاظ ، فهم مثلا يطلقون على الحمامة " عصفورة " فقط لملاحظة عنصر الطيران دون غيره من المكونات الدلالية لكل طائر منهما ، بل وربما أطلقوا لفظ العصفورة على البومة أو الصقر ، ولعلهم اختاروا لفظ العصفورة دون غيره لكثرة مشاهدتهم لها دون غيرها . وكذلك يفعلون مع كل مجموعة أشكال متشابهة فهم يختارون الشكل الأكثر رؤية عندهم ويطلقونه على المتشابهات الأخرى ، فقد لا يفرقون بين البقرة والجاموسة ، كما قد لا يفرقون بين الحصان والبغل والحمار ، ومن ثم فإن تحديد المكونات الدلالية لمعنى الكلمة باستخدام النظرية التحليلية يمكننا من تحديد ما يُسقطه الطفل منها في استعماله المبكر ثم ننتبه إلى ما يجب تعليمه للأطفال في مختلف أعمارهم . ([252])
4 – تحديد السياق
يمكن من خلال استخدام النظرية التحليلية تحديد السياق المناسب لاستخدام الكلمة . ومن أمثلة ذلك في اللغة العربية كلمة " الهدية " وكلمة " الهبة " ، فإن كان المراد الشيء المُقَدَّم من باب التقرب والتودد فالهدية أولى بالاستخدام ، أما إن لم يُرد هذا المعنى فإن كلمة " الهبة " تكون هي الأولى في الاستعمال ، ومن ذلك قولنا : وهب الله لنا الرزق ، فالفعل " وهب " هنا أجدر وأليق بالسياق الوارد فيه من الفعل " أهدى" مع اشتراك الفعلين في كثير من المكونات الدلالية ؛ لأن الفعل " وهب " من مكوناته الدلالية ( - غرض التقرب ) أما الفعل " أهدى " فمن مكوناته الدلالية ( + غرض التقرب ) . ([253])
  النظرية التحليلية في عيون العلماء
 لاقت نظرية  fodor و  katz  بعض النقد وبخاصة من النواحي الآتية :
1 – تمييزها – دون حاجة – بين المحدد الدلالي والمميز .
2 -  عدد المحددات الدلالية وترتيبها يبدو تحكميًّا .
3 – لا تميز النظرية بين الهومونيمي والبوليزمي . ([254])
4 – أن هناك نوعًا من مفردات اللغة لا يمكن تحديد مكوناتها الدلالية كالألوان ، والروائح ، والأحاسيس .
5 – اختلاف وجهات النظر حول تحديد المكونات نفسها ، فقد يضع أحد العلماء مكونًا دلاليًّا للتمييز بين كلمات الحقل الواحد بينما تجد لغويًّا آخر لا يرى هذا المميز صالحًا للتمييز بين هذه الكلمات ، كأن يحدد أحدهم اعتبار النقيض مميزًا بين كلمتين ويأتي الآخر فلا يضعه في الاعتبار مميزًا . ([255])
ومع هذا النقد وجدت من دافع عنها وأثنى عليها :
1 – فقد وصفت بأنها أحسن تجربة لتحليل المعنى إلى مكونات صغرى .
2 – وذكر  ullmann  عنها أنها لعبت دورًا هامًا في تطوير السيمانتيك التركيبي ، وأنها أول نظرية دلالية تفصيلية واضحة تستخدم في أمريكا لفترة طويلة . وقد ألقت أضواء من الاهتمام على المكونات الدلالية في علم النحو التوليدي التحويلي ، كما أنها أبرزت مناقشة حية طموحة حول عدد من المشكلات الأساسية .
3 – واعتبرها rogghe  و berry  القسيم للأجناس النحوية
( اسم – فعل – صفة ... ) وكما نحتاج إلى الأجناس النحوية لشرح العلاقات داخل الجملة ، فنحن في حاجة إلى هذه العناصر أو المكونات لشرح العلاقات الدلالية . ([256])
المبحث الرابع : طرق أخرى لتحليل المعنى
ذكر أحمد مختار عمر طرقًا أُخرى لتحليل المعنى وتوضيحه هذه الطرق هي :
1 – طريقة توضيح المعنى بذكر مرادفه ، أو أقرب لفظ إليه . وأقرب معجم عربي لهذه الطريقة " القاموس المحيط " للفيروزابادي الذي جرد الكلمات من سياقاتها ، وحذف الأمثلة والشواهد إلا ما ندر ، وكان يكتفي بذكر المرادف للكلمة التي يتناولها  . ([257])
ومن ذلك قول الفيروزابادي : " الداء : المرض " . ([258]) وقوله : " ذرأ ، كجعل ، خلق " . ([259])
            وأخذ مختار على هذه الطريقة أنها لا تبين الاستخدام الإيجابي للغة ، وأنها تعزل الكلمات عن سياقاتها مع أنه يندر في الاستعمال اللغوي الفعلي أن ترد الكلمة مفردة أو معزولة . ([260])
        وفي تصوري أن الفيروزبادي اهتم – في الكثير الغالب – بالمعنى المعجمي ، الأمر الذي جعله لا يهتم بالمعنى السياقي .
        لكن قد يؤخذ على هذه الطريقة التي تشرح اللفظ بمرادفه الخوف من أن يشرح اللغوي كلمة بأُخرى لا تتطابق معها في مجالها الدلالي كأن تُفَسَّر– مثلا – كلمة " زوجة " بكلمة" عقيلة " أو كلمة "أم " بكلمة " والدة " لأن هناك فرقًا بين كل زوجين في درجة الاستعمال والمستوى الثقافي الذي تستخدم فيه كل واحدة منهما . ([261])
        2 – طريقة تحديد المعنى وتوضيحه ببيان خصائص الشيء المعرَّف ، أو بوضع تعريف له . وهذه الطريقة قريبة من النظرية التحليلية التي تحاول حصر الخصائص التكوينية أو مجموع الملامح التي تشكل محتوى الكلمة . ولكنها تختلف عنها في أنها تتبع في التعريف قاعدة أرسطو التي تعتبر التعريف الدقيق هو الذي يضع الكلمة المعرَّفة في جنس يضم الأشياء المتشابهة ثم يحدد ما يميز هذا الشيء المعرَّف من غيره من الأشياء الأخرى الداخلة في الجنس نفسه .
        وقد مثل مختار لهذه الطريقة بتعريف كلمة " العدسة " بأنها " قطعة من الزجاج أو المادة الشفافة محصورة بين سطحين معينين ، عن طريقها يتجمع الشعاع الضوئي أو يتفرق " فقد عرفت العدسة أولا بأنها قطعة زجاج أو مادة شفافة ، ثم ميزت من سائر القطع المماثلة ببيان شكلها واستعمالها .
        بيد أن هذه الطريقة أُخذ عليها أنها تقوم على اكتشاف الماهيات أو الجواهر . وعلى الفصل بين الصفات المشتركة والصفات التفردية ، بل وحتى الفصل بين ما هو أساسي من تلك الصفات وما هو عرضي. ولتوضيح ذلك لو عرفنا الإنسان بأنه " حيوان ذو قدمين " فالطيور تشاركه في هذه الخاصة ، ولذا يزاد على ذلك : " بدون ريش " حتى تخرج الطيور . ولكن لا القدمان ولا التعري من الريش كافيان لمعرفة جوهر الإنسان ، بالإضافة إلى أنه قد يشاركه في هاتين الصفتين حيوانات أُخرى ليست من الإنسان مثل الكانجارو .
        ولو قيل في تعريفه : " حيوان يصنع الأجهزة " لكان مقبولا بخلاف ما لو قلنا : " يستعمل الأجهزة ؛ لأن من الحيوانات ما يستعملها كالقرد مثلا . ومع ذلك فإن التعريف المقبول يصبح مرفوضًا لأنه لم يكشف جوهر الإنسان ، حيث تجاهل الجانب الاجتماعي فيه . والإنسان الأول كان إنسانًا دون اختراع الأجهزة أو استعمالها .
        ولو عرفنا الإنسان بأنه " حيوان متكلم " فربما اعترض على التعريف بأن هناك حيوانات أخرى تشاركه خاصة التكلم ولو عن طريق الإشارات والصراخ والغناء . ولكن إذا عدلنا التعريف ليصبح : " الإنسان حيوان ذو لغة رمزية " فقد يكون التعريف كافيًا لإخراج أنواع الحيوانات التي تتفاهم بصورة أخرى . إذ الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يستخدم اللغة الرمزية في التفاهم . ([262])
        3 – الطريقة التي توضح المعنى عن طريق تقديم صورة أو نموذج للشيء المعرف ، وهذه الطريقة تستخدم في الأشياء القابلة   للتصوير والرسم ، وهي بالإضافة إلى قصورها عن توضيح معاني الكلمات المعقولة ليست ناجحة في توضيح معاني الكلمات المحسوسة في كل الحالات ، فلو قمنا برسم كرسي أو رسم قبعة لتوضيح المراد لما أمكن ذلك في جميع الحالات فالكرسي والقبعة قد يأتيان مختلفي اللون والشكل والحجم . ([263])
        4 – الطريقة التي توضح المعنى بذكر أفراده . وأهم ما تمتاز به هذه الطريقة أنها تحدد بدقة مجالات استعمال الكلمة ولذا فإنها تستخدم عادة في الوثائق القانونية حين يكون مجال التطبيق للكلمة واجب الوضوح . فكلمة " الأقرباء الملاصقون " close relatives قد تثير جدلا وبخاصة في مجالات الإرث والنفقة والزواج ... ولذا فإن القوانين التي تستعمل هذه الكلمة تحدد المراد كأن تقول : الأم – الأب – الابن – البنت – الأخ – الأخت .
 وهذه الطريقة يمكن استخدامها مع الأشياء التي لها فرد واحد ، أو أفراد يمكن حصرها . ولكن يصعب تطبيقها ، أو قد يستحيل مع الأشياء التي تتعد أفرادها ، وتتنوع مثل التوابل ، والحيوانات المفترسة . ([264])

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في ماهية المعنى وأقسامه

في التحليل الدلالي دراسة تطبيقية على الفصحى المعاصرة 1